تكلفة التخلص من الأجهزة الإلكترونية تعصف بالبيئة والبشر.. والإلكترونيات

هل تعرف شكل الأجهزة الإلكترونية التي ترمى في شوارع أوربا وأمريكا؟ ربما رأيت تكدس العديد من الأجهزة بالشوارع في أحد الريلز أو فيديوهات التيك توك واستغربت تكوٌّم أجهزة إلكترونية بالشوارع بهذا الشكل رغم أنها ليست رخيصة التمن لهذه الدرجة.

 

هذا الأمر ليس منتشرًا فقط في دول الغرب وإنما واسع الانتشار كذلك في مصر والشرق الأوسط وإن كان بشكل مختلف، فنحن نكدس العديد من الأجهزة الإلكترونية داخل منازلنا بغية استخدامها في يوم من الأيام أو نقوم برميها مباشرة للتخلص منها.

 

تدفعنا الاستهلاكية الإلكترونية إلى تجديد أجهزتنا بشكل دوري ومتسارع حتى إن لم نكن بحاجة إلى جهاز جديد، كمّ البشر الذي يجتاح محلات آبل كل عام للحصول على أحدث جهاز أيفون يدفعنا للتساؤل حول سبب هذا التدافع الرهيب تجاه جهاز قد لا يعني الكثير من الناحية التقنية عن سابقيه وبالتأكيد ليس بحاجة الجميع أن يحصل عليه، والأهم ما هي تكلفة كل هذا علينا كمجتمع وحتى لصناع الأجهزة والمعدات الإلكترونية وتأثيرات هذا الضخمة على البيئة.

 

تعد صناعة الإلكترونيات واحدة من أكبر مستهلكي الطاقة في العالم، فهي تستهلك في الدول المصنعة للإلكترونيات نسبة كبيرة من الإنتاج المحلي للطاقة، مثلًا في تايوان؛ واحدة من أكبر مصنعي الإلكترونيات في العالم تستهلك الصناعة أكثر من 5% من الطاقة وقد تصل إلى 7% من مجموع استهلاك الطاقة في البلاد.

 

كما تعتمد الصناعة على استهلاك كميات كبيرة للغاية من المياه مما يؤثر على إمدادات المياه في المناطق الجافة، حتى أن صناعة الإلكترونيات كانت تستهلك في تايوان ما قدره 63 مليون طن من المياه في الوقت الذي كان يعاني الفلاحون فيه من الجفاف الذي يزيد بفعل الاحتباس الحراري!

 

والموارد التي يتم استهلاكها في إنتاج الأجهزة ليست فقط من الطاقة والمياه، بل العديد من المعادن النادرة والمكلفة تستخدم في إنتاج الإلكترونيات واستنزاف هذه المعادن يؤدي إلى زيادة أسعارها وبالتالي زيادة أسعار الإلكترونيات في العالم بسبب الاستخدام المتزايد لها.

 

أما التأثير البيئي الأكبر يأتي من إنتاج الأجهزة الإلكترونية نفسها، بحسب إحدى الأوراق العلمية فإن الإنبعاثات الكربونية من تصنيع وإنتاج الإلكترونيات تعد أكبر مصدر لانبعاثات الكربون في العالم، أكبر حتى من استهلاك الطاقة واستخدام الأجهزة.

 

ورغم التكلفة البيئية العالية لإنتاج الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية، تزيد نسبة استبدال الأجهزة سنويًا بالعالم وتزيد نسبة المخلفات الإلكترونية أو ما أصبح يطلق عليها E-Waste لتمييزها عن بقية أنواع المخلفات التي يستهلكها البشر، هذه المخلفات الإلكترونية تسبب تكلفة بيئية عالية في حد ذاتها عند محاولة التخلص منها كما يسبب إنتاج العديد من الانبعاثات السامة للبشر والطبيعة وكذلك إطلاق العديد من المعادن مثل الزئبق والرصاص اللذان يسببان مخاطر صحية عديدة.

 

زيادة النفايات الإلكترونية والنزعة الاستهلاكية للإلكترونيات في النهاية ليست مسؤولية المستهلكين فقط، بل أن المسئولية الأضخم تقع على عاتق الشركات المنتجة للأجهزة نفسها لأن تصميم الأجهزة نفسها أصبح يعتمد على عدم تحملها فترات أطول وهذا صحيح في الأجهزة الإلكترونية كما هو في معظم الصناعات الإستهلاكية اليوم، المهتمين بصناعة السيارات تحديدا يعرفون ذلك.

 

وهذا الاتجاه في الصناعة لا يعتمد على استخدام مواد ذات بقائية أقل فقط ولكن يعتمد كذلك على إدخال تطويرات محدودة على الأجهزة التي يملكها المستخدم، الأمر الذي يدفع المستخدم إلى البحث عن النسخة الأحدث، وأيضًا منع التشغيل البيني للأجهزة مثل منافذ الشواحن وأنواعها وتقليل عدد المنافذ بشكل عام وصولًا إلى إجبار العملاء على الحصول على أنواع معينة من المفكات لأجهزة آبل المكتبية!

 

كما أن تحجيم الحصول على تحديثات أنظمة التشغيل والسوفتوير  بعد مدة معينة يدفع المستهلكين إلى شراء نسخ أحدث من نفس الجهاز أو منع تحديث التطبيقات والأنظمة عنها لذات السبب؛ وهو دفع النزعة الاستهلاكية عند البشر للأجهزة الإلكترونية للزيادة!

 

ولكن هل ستقدر شركات الصناعات الإلكترونية على تحمل تكلفة الكارثة البيئية الضخمة الناتجة عن زيادة الإنتاج بهذا القدر أم يتحملها المجتمع ككل بالنهاية دون أن يكون قادرا على إجبارهم على تحمل مسئولية الضرر الذي تسببوا به؟